روائع مختارة | روضة الدعاة | زاد الدعاة | من خلق الداعية.. الأمانة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > زاد الدعاة > من خلق الداعية.. الأمانة


  من خلق الداعية.. الأمانة
     عدد مرات المشاهدة: 6349        عدد مرات الإرسال: 0

تعالوا بنا نتأمل خلق الأمانة، التي عزت، وصارت قليلة في هذا الزمان، فأصبحت من النوادر، التي يقل وجودها في عالم اليوم؛ حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:

"أول ما تفتقدون من دينكم الأمانة"، ولقوله عليه الصلاة والسلام: "إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة، ينام الرجل النومة، فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل الوكت.

ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل المجل، كجمر دحرجته على رجلك فنفط، فتراه منتبرًا وليس فيه شيء؛ فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة، حتى يقال إن في بني فلان رجلاً أمينًا، حتى يقال: للرجل ما أجلده! ما أظرفه! ما أعقله! وما في قلبه حبة خردل من إيمان".

 مع القرآن الكريم:

الأمانة، التي أبت السماوات والأرض أن يحملنها، لا عصيانًا لله تعالى، بل شفقةً منها وتقديرًا لها، كما قال القرآن الكريم: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (73)﴾ (الأحزاب).

 القرآن ومقومات الرجولة:

﴿فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)﴾ (القصص).

 من أقوال العلماء:

قال القرطبي رحمه الله:

"والأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال وقال في تفسير قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8)﴾ (المؤمنون) "والأمانة والعهد يجمع كل ما يحمله الإنسان من أمر دينه ودنياه قولاً، وفعلاً، وهذا يعم معاشرة الناس، والمواعيد وغير ذلك، وغاية ذلك حفظه والقيام به".

 قال ابن القيم: (لا تظن أن الأمانة أن تتوضأ بركل من الماء، وتصلي ركعتين في المحراب, إنما الأمانة أن تحمل هم هذا الدين).

 مواقف من حياة النبي:

1- إن أهل مكة أعادوا بناء الكعبة حتى بلغوا موضع الحجر الأسود فقال بطن من قريش: نحن نضعه، وقال آخرون: نحن نضعه، فقالوا: اجعلوا بينكم حكمًا.

قالوا: أول رجل يطلع من الفج، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: "أتاكم الأمين، فقالوا له فوضعه في ثوب ثم دعا بطونهم فأخذوا بنواحيه معه فوضعه هو صلى الله عليه وسلم" رواه أحمد.

2- "يوم الهجرة أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا بخروجه، وأمره أن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدي عنه الودائع التي كانت عنده للناس.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده لما يعلم من صدقه، وأمانته صلى الله عليه وسلم" (سيرة ابن هشام).

 حوار بين (أبي سفيان وهرقل):

كما جاء في حوار أبي سفيان وهرقل، حيث قال هرقل: (سألتك ماذا يأمركم؟

فزعمت أنه يأمر بالصلاة، والصدق، والعفاف، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة- قال: وهذه صفة نبي) وفي موضع آخر في صحيح البخاري: (.. وسألتك هل يغدر؟ فزعمت أن لا. وكذلك الرسل لا يغدرون).

ولئن كانت هذه صفة أصحاب الدعوات فإن أتباعهم كذلك متميزون، ولذلك اقترن تعريف المؤمن بسلوكه المميز، حيث قال صلى الله عليه وسلم: "والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم".

صور من الأمانة:

1- أن تنصح من استشارك، وأن تصدق من وثق برأيك، فقد جاء في الحديث: "المستشار مؤتمن"، ".. ومن أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه".

2- والمجاهد في أرض المعركة مأمور بالأمانة، ومنهي عن الغدر والخيانة والغلول: "لا تغدروا ولا تغلّوا ولا تمثلوا..." والقاعد الذي يخلف المجاهد في أهله بخير قائم بالأمانة، وإن قصر، أو خان وقف له المجاهد يوم القيامة، يأخذ من حسناته ما شاء: ".. وما من رجل من القاعدين يخلف رجلاً من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم إلا وقف يوم القيامة، فيأخذ من عمله ما شاء.. فما ظنكم".

3- ومن أخطر الأمانات شأنًا حفظ أسرار الناس، وستر عوراتهم وكتمان أحاديث مجالسهم، فقد ورد في الحديث (المجالس بالأمانة).

وإن لم يوص المتحدث بكتمان حديثه الخاص إليك يكن لم لك أن تشيعه إلاّ بإذنه وعلمه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا حدث رجل رجلاً بحديث ثم التفت فهو أمانة"، وأقل ما في هذه الأمانة أن ينقله الناقل- حين ينقله- بنصه، ولا يحمله ما ليس فيه بتدليس أو تحريف.

4- ومن الأمانة في العمل إتقانه، وكتمان أسراره قال أبو بكر لزيد بن ثابت- رضي الله عنهما- حين أراد أن يستعمله (إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك).

5- حياتك مع زوجتك أمانة، ومن الخيانة أن تتحدث عن أسرارها.

 مخاطر حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم

ومن مخاطر الأزمان المتأخرة اضطراب الموازين، وفساد القيم، إلى الدرجة التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:

"سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة في أمر العامة، قيل وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه".

 الحاكم وابنه والأمانة:

واستدان ابن عمر بن الخطاب من أبي موسى الأشعري حين كان واليًا على الكوفة أموالاً من خزينة الدولة ليتاجر بها على أن يردها بعد ذلك كاملة غير منقوصة.

واتجر ولد عمر فربح، فبلغ ذلك عمر فقال له: إنك حين اشتريت أنقص لك البائعون في الثمن لأنك ولد أمير المؤمنين، ولما بعت زاد لك المشترون في الثمن لأنك ولد أمير المؤمنين.

فلا جرم أن كان للمسلمين نصيب فيما ربحت، فقاسمه نصف الربح.

واسترد منه القرض، وعنفه على ما فعل، واشتد في العقاب على أبي موسى لأنه أسرف من أموال الدولة ما لا يصح أن يقع مثله، وهذه أمانة الحاكم الذي يسهر على مال الأمة فلا يحابي فيه صديقًا ولا قريبًا.

 صلاح الدين وأمانة الجهاد:

ويذكر التاريخ أن القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي- رحمه الله- كان من أكثر ملوك عصره توفيقًا في الفتوح والنصر وكان نصيبه من الغنائم كبيرًا جدًّا وقفه كله مدارس ومستشفيات ومساجد مما لا يزال بعض آثاره باقيًا حتى اليوم.

ولم يترك لنفسه ولأولاده شيئًا من ذلك حتى قالوا: إنه حين مات، مات وهو من أفقر الناس رحمه الله، وهذه هي أمانة القائد الذي يأبى أن يتاجر بجهاده، ويرضى بالله وجنته وثوابه بديلاً.

 هل تعلم؟

أخبر النبي أنه يؤتى يوم القيامة بجهنم والناس في عرصات يوم القيامة حفاةً عراةً غرلاً في ذلك الموقف العظيم يؤتى بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام, مع كل زمام سبعون ألف ملك.

فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه، ثم يضرب الصراط على متن جهنم, وينادي الله جل جلاله بأن يسير العبادُ عليه, وعندها تكون دعوة الأنبياء: (اللهم سلم سلم).

 فإذا ضُرب الصراط على متن جهنم قال كما في الصحيح: "قامت الأمانة والرحم على جنبتي الصراط"، أما الأمانة فإنها تكبكب في نار جهنم كل من خانها، وأما الرحم فإنها تزل قدم من قطعها وظلمها.

 تهنئه وتحذير:

هنيئًا لمن قام بحق الأمانة فجرى على الصراط غير هياب ولا وجل، والحسرة والندامة- حيث لا تنفع حسرة ولا ندامة- على من تساهل فخان، وسقط فغدر لشهوة عارضة أو لحقد أعمى.

 مكانة الأمانة:

الأمانة من أخلاق الأنبياء:

- قال تعالى على لسان كل من الأنبياء نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى عليهم السلام: ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107)﴾ (الشعراء).

 - قال تعالى على لسان ابنة شعيب في حق موسى عليه السلام: ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ (القصص: من الآية 26).

 الأمانة من أخلاق المؤمنين:

- قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)﴾ (المؤمنون).

 النبي والأمانة (صلى الله عليه وسلم):

عن أم المؤمنين أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار، فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب فقال له: "أيها الملك كنا قومًا أهل جاهلية نعبد الأصنام.... حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده... وأداء الأمانة". رواه أحمد.

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الكاتب: صبري محمد